فصل: وَأما آثاره:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الخَامِس:

أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فدين الله أَحَق بِالْقضَاءِ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح، أخرجه الشَّيْخَانِ، من حَدِيث ابْن عَبَّاس رضى الله عَنْهُمَا؛ «أَن امْرَأَة أَتَت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِن أُمِّي مَاتَت وَعَلَيْهَا صَوْم شهر؟ قَالَ: أَرَأَيْت لَو كَانَ عَلَيْهَا دين أَكنت تقضينه؟ قَالَت: نعم. قَالَ: فدين الله أَحَق بِالْقضَاءِ». وَفِي رِوَايَة: «فدين الله أَحَق بِأَن يُقْضَى».
وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: من حَدِيث ابْن عَبَّاس أَيْضا «أَن امْرَأَة من جُهَيْنَة جَاءَت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَت: إِن أُمِّي نذرت أَن تحج فَلم تحج حَتَّى مَاتَت، أفأحج عَنْهَا؟ قَالَ: نعم، حجي عَنْهَا، أَرَأَيْت لَو كَانَ عَلَى أمك دين أَكنت قاضيته؟ اقضوا الله فَالله أَحَق بِالْوَفَاءِ».
هَذَا لَفظه فِي كتاب الْحَج، فِي بَاب: الْحَج وَالنُّذُور عَن الْمَيِّت وَالرجل يحجّ عَن الْمَرْأَة.
وَفِي النَّسَائِيّ: «أَمَرَتِ امْرَأَة سِنَان بن سَلمَة الْجُهَنِيّ أَن يَسْأَلَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم».
وَرَوَاهُ- أَعنِي- البُخَارِيّ أَيْضا، فِي بَاب: من مَاتَ وَعَلِيهِ نذر، فِي أَبْوَاب الأَيمَان وَالنُّذُور، عَن ابْن عَبَّاس «جَاءَ رجل النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ: إِن أُخْتِي نذرت أَن تحج، وَإِنَّهَا مَاتَت، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: لَو كَانَ عَلَيْهَا دين أَكنت قاضيه؟ قَالَ: نعم قَالَ: فَاقْض الله؛ فَهُوَ أَحَق بِالْقضَاءِ».
وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم فِي صَحِيحه بِلَفْظ: عَن ابْن عباسٍ؛ قَالَ: «جَاءَ رجل إِلَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: إِن أُخْتِي مَاتَت وَلم تحج، أفأحج عَنْهَا؟ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ: أَرَأَيْت لَو كَانَ عَلَيْهَا دين تقضيه فَالله أَحَق بِالْقضَاءِ».
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِلَفْظ: «إِن أبي قد مَاتَ وَلم يحجّ، أفأحج عَنهُ؟ قَالَ: أَرَأَيْت لَو كَانَ عَلَى أَبِيك دين أَكنت قاضيه؟ قَالَ: نعم، قَالَ: فدين الله أَحَق».

.الحديث السَّادِس:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من ولي يَتِيما فليتجر لَهُ وَلَا يتْركهُ حَتَّى تَأْكُله الصَّدَقَة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنَيْهِمَا من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده؛ أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب النَّاس فَقَالَ: «أَلا من ولي يَتِيما لَهُ مَال فليتجر فِيهِ، وَلَا يتْركهُ حَتَّى تَأْكُله الصَّدَقَة».
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا الحَدِيث إِنَّمَا رُوِيَ من هَذَا الْوَجْه، وَفِي إِسْنَاده مقَال؛ لِأَن الْمثنى بن الصبَّاح يضعَّف فِي الحَدِيث. قَالَ: وَرَوَى بَعضهم هَذَا الحَدِيث، عَن عَمْرو بن شُعَيْب؛ أَن عمر بن الْخطاب قَالَ:... فَذكره. قَالَ: وَعَمْرو بن شُعَيْب هُوَ ابْن مُحَمَّد بن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي، وَشُعَيْب قد سمع من جده عبد الله بن عَمْرو، وَقد تكلم يَحْيَى بن سعيد فِي حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، وَقَالَ: هُوَ عندنَا واهٍ، وَمن ضعّفه فَإِنَّمَا ضعفه من قبل أَنه يحدث من صحيفَة جده عبد الله بن عَمْرو، وَأما أَكثر أهل الحَدِيث فيحتجون بِحَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب ويثبتونه، مِنْهُم: أَحْمد وَإِسْحَاق وَغَيرهمَا. هَذَا آخر كَلَامه، وَقد أسلفنا فِي بَاب الْوضُوء أَقْوَال أَئِمَّة هَذَا الْفَنّ فِيهِ مَبْسُوطا، وَذكرنَا هُنَاكَ أَن الْجُمْهُور احْتَجُّوا بِهِ، وَأَنه سمع من جده عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي، وَذكرنَا هُنَاكَ عَن الدَّارَقُطْنِيّ أَنه قَالَ: لَا يَصح حَدِيثه وَيسلم من الْإِرْسَال إِلَّا أَن يَقُول فِيهِ عَن جده عبد الله بن عَمْرو، وَهَذَا الحَدِيث قد سَمّى فِيهِ جده عبد الله بن عَمْرو، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ كَذَلِك، لَكِن الطَّرِيق إِلَيْهِ كَمَا قد علمت فِيهِ الْمثنى بن الصَّباح وَهُوَ مَتْرُوك كَمَا، قَالَ النَّسَائِيّ: وَله عَن عَمْرو طَرِيقَانِ آخرَانِ. رَوَاهُمَا الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا، إِحْدَاهمَا من حَدِيث منْدَل، عَن أبي إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «احْفَظُوا الْيَتَامَى فِي أَمْوَالهم لَا تأكلها الزَّكَاة».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: منْدَل هَذَا لَيْسَ بِقَوي.
ثَانِيهمَا: من حَدِيث مُحَمَّد بن عبيد الله الْعَرْزَمِي، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، مَرْفُوعا: «فِي مَال الْيَتِيم الزَّكَاة». وَمُحَمّد هَذَا تَرَكُوهُ، قَالَ ابْن حبَان: كَانَ صَدُوقًا إِلَّا أَن كتبه ذهبت وَكَانَ يحدث من حفظه فَيهِم.
وَله طَرِيق ثَالِث: قَالَ عبد الْحق: رَوَاهُ عبد الله بن عَلّي بن مهْرَان، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، وَهُوَ ضَعِيف أَو مَجْهُول.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب هَذَا يرويهِ حُسَيْن الْمعلم، عَن مَكْحُول، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن سعيد بن الْمسيب، عَن عمر، وَرَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن عمر، وَلم يذكر ابْن الْمسيب.
وَخَالفهُ حَمَّاد بن زيد، فَرَوَاهُ عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن مَكْحُول، عَن عمر وَلم يذكر فِيهِ عَمْرو بن شُعَيْب وَلَا ابْن الْمسيب، وَرَوَاهُ الْمثنى بن الصَّباح، عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده. قَالَ: وَحَدِيث عمر أصح.
وَقَالَ مهنا: سَأَلت الإِمَام أَحْمد عَن حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب، عَن أَبِيه، عَن جده، أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «اتَّجرُوا بأموال الْيَتَامَى لَا تأكلها الزَّكَاة» فَقَالَ: لَيْسَ بِصَحِيح، هَذَا يرويهِ الْمثنى بن الصَّباح عَن عَمْرو.

.الحديث السَّابِع:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «ابْتَغوا فِي أَمْوَال الْيَتَامَى لَا تأكلها الزَّكَاة».
مَعْنَاهُ: اطْلُبُوا الرِّبْح بِالتَّصَرُّفِ فِيهَا بِالتِّجَارَة.
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن عبد الْمجِيد، عَن ابْن جريج، عَن يُوسُف بن ماهَكَ أنّ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «ابْتَغوا فِي مَال الْيَتِيم- أَو فِي مَال الْيَتَامَى- لَا تذهبها- أَو لَا تستهلكها- الصَّدَقَة».
وَرَوَاهُ أَبُو عبيد فِي «الْأَمْوَال» عَن حجاج، عَن ابْن جريج بِهِ: «ابْتَغوا فِي أَمْوَال الْيَتَامَى لَا تذهبها الزَّكَاة». قلت لحجاج: عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: نعم. وَهَذَا مُرْسل؛ لِأَن يُوسُف تَابِعِيّ، وَمَعَ إرْسَاله فعبد الْمجِيد هَذَا فِيهِ مقَال، أخرج لَهُ مُسلم مَقْرُونا بِهِشَام بن سُلَيْمَان الْمَكِّيّ، وَالْأَرْبَعَة، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره، وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي حَقه: ثِقَة دَاعِيَة إِلَى الإرجاء. وَقَالَ البُخَارِيّ: كَانَ الحميدى يتَكَلَّم فِيهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم: لَيْسَ بِقَوي، يكْتب حَدِيثه. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: يعْتَبر بِهِ وَلَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ أَحْمد: ثِقَة، وَكَانَ فِيهِ غلوّ فِي الإرجاء. وَقَالَ ابْن عدي: عَامَّة مَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ الإرجاء وَقَالَ ابْن حبَان: يقلب الْأَخْبَار، ويروي الْمَنَاكِير عَن الْمَشَاهِير فَاسْتحقَّ التّرْك.
وأكّد الشَّافِعِي هَذَا الْمُرْسل بِعُمُوم الحَدِيث الصَّحِيح فِي إِيجَاب الزَّكَاة مُطلقًا، وَبِمَا رُوِيَ عَن الصَّحَابَة رضى الله عَنْهُم فِي ذَلِك، مِنْهُم عمر بن الْخطاب، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه، من حَدِيث ابْن الْمسيب عَنهُ أَنه قَالَ: «ابْتَغوا بأموال الْيَتَامَى لَا تأكلها الصَّدَقَة». ثمَّ قَالَ: هَذَا إِسْنَاد صَحِيح، وَله شَوَاهِد عَن عمر.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: كَأَنَّهُ أَرَادَ ثِقَة رُوَاته، وَفِيه من النّظر مَا قيل فِي سَماع سعيد من عمر أَو عدم سَمَاعه.
قلت: وَسَعِيد ولد لثلاث سِنِين مضين من خلَافَة عمر، قَالَه مَالك وَأنكر سَمَاعه مِنْهُ، وَقَالَ ابْن معِين: رَآهُ وَكَانَ صَغِيرا، وَلم يثبت لَهُ سَماع مِنْهُ.
قلت: وَمَعَ ذَلِك فَاخْتلف فِيهِ، فَقيل: عَن عَمْرو بن شُعَيْب، عَن عمر. وَقيل: عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن مَكْحُول. ذكرهمَا الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله كَمَا سلف فِي الحَدِيث قبله. ثمَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيقين آخَرين عَنهُ، وَقَالَ: كِلَاهُمَا مَحْفُوظ.
وَمِنْهُم: ابْنه رضى الله عَنهُ، ذكره الْبَيْهَقِيّ وَابْن عبد الْبر بِإِسْنَاد صَحِيح «أَنه كَانَ يُزكي مَال الْيَتِيم».
وَقَالَ الشَّافِعِي: أَنا سُفْيَان، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع، عَنهُ، فَذكره.
وَمِنْهُم: جَابر رضى الله عَنهُ ذكره ابْن عبد الْبر بِإِسْنَادِهِ، وَالْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: وَرُوِيَ ذَلِك، عَن الْحسن بن عَلّي وَجَابِر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
وَمِنْهُم: عَائِشَة رضى الله عَنْهَا رَوَى مَالك عَن عبد الرَّحْمَن بن الْقَاسِم، عَن أَبِيه قَالَ: «كَانَت عَائِشَة تليني وأخًا لي يَتِيم فِي حجرها، وَكَانَت تخرج من أَمْوَالنَا الزَّكَاة».
وَمِنْهُم: عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رُوِيَ عَنهُ من طرق ذكرهَا ابْن عبد الْبر وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ.
وَقَالَ الْمروزِي: قَالَ أَبُو عبد الله- يَعْنِي أَحْمد بن حَنْبَل-: خَمْسَة من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانُوا يزكون مَال الْيَتِيم.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: فَأَما مَا رُوِيَ عَن مُعَمَّر- أَي بِضَم أَوله وَفتح ثَانِيه وَتَشْديد ثالثه- ابْن سُلَيْمَان، عَن عبد الله بن بشر- أى بالشين الْمُعْجَمَة- عَن لَيْث بن أبي سليم، عَن مُجَاهِد، عَن عبد الله بن مَسْعُود قَالَ: «من ولي مَال يَتِيم فليحص عَلَيْهِ السنين، فَإِذا دفع إِلَيْهِ مَاله أخبرهُ بِمَا عَلَيْهِ من الزَّكَاة، فَإِن شَاءَ زَكى، وَإِن شَاءَ لم يزك» فقد ضعفه الشَّافِعِي من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَنه مُنْقَطع لِأَن مُجَاهدًا لم يدْرك ابْن مَسْعُود. وَالثَّانِي: أَن لَيْث بن أبي سليم ضَعِيف، قَالَ الْبَيْهَقِيّ: ضعف أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ ليثًا. قَالَ: وَقد رُوِيَ أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس، إِلَّا أَنه انْفَرد بِهِ ابْن لَهِيعَة وَهُوَ ضَعِيف لَا يحْتَج بِهِ.

.الحديث الثَّامِن:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا زَكَاة فِي مَال الْمكَاتب حَتَّى يعْتق».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه، عَن عبد الْبَاقِي بن قَانِع وَعبد الصَّمد بن عَلّي، نَا الْفضل بن الْعَبَّاس الصَّواف، نَا يَحْيَى بن غيلَان، نَا عبد الله بن بزيع، عَن ابْن جريج، عَن أبي الزبير، عَن جَابر مَرْفُوعا بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور.
وَهَذَا حَدِيث مَعْلُول من أوجه: أَحدهَا: عبد الْبَاقِي بن قَانِع شيخ الدَّارَقُطْنِيّ، فَإِن الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ فِي حَقه: إِنَّه كَانَ يُخطئ كثيرا ويصر عَلَى الْخَطَأ.
ثَانِيهَا: عبد الله بن بزيع الْأنْصَارِيّ قَاضِي تستر؛ قَالَ ابْن عدي:
لَيْسَ هُوَ عِنْدِي مِمَّن يحْتَج بِهِ، قَالَ: وَأَحَادِيثه أَو عامتها لَيست مَحْفُوظَة. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لين الحَدِيث لَيْسَ بمتروك.
ثَالِثهَا: يَحْيَى بن غيلَان، وَهُوَ مَجْهُول الْحَال، نبه عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان فِي علله قَالَ: وَلَيْسَ هُوَ الَّذِي يروي عَن مَالك، ذَاك ثِقَة.
رَابِعهَا: تَدْلِيس أبي الزبير، وَقد عنعن عَنهُ فِي هَذَا الحَدِيث.
وأجمل الْبَيْهَقِيّ القَوْل فِي تَضْعِيفه، فَقَالَ فِي سنَنه: هَذَا الحَدِيث رَفعه ضَعِيف، وَالصَّحِيح أَنه مَوْقُوف عَلَى جَابر. ثمَّ رَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ عَن جَابر قَالَ: «لَيْسَ فِي مَال الْمكَاتب وَلَا العَبْد زَكَاة حَتَّى يعْتق» ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن الْعمريّ، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «لَيْسَ فِي مَال الْمكَاتب وَلَا العَبْد زَكَاة» قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وبالأول قَالَ مَسْرُوق وَسَعِيد بن الْمسيب وَسَعِيد ابْن جُبَير وَعَطَاء وَمَكْحُول.
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.

.وَأما آثاره:

فاثنان:

.أَحدهمَا:

أثر عمر، وَقد تقدم فِي آخر الْبَاب الَّذِي قبل هَذَا.

.وَثَانِيهمَا:

أثر عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «اعْتد عَلَيْهِم بالصغار والكبار». وَهُوَ غَرِيب، لَا يحضرني من خرجه، وَذكره صَاحب الْمُهَذّب بِلَفْظ:
«عد الصغار مَعَ الْكِبَار». وَلم يعزه النَّوَوِيّ فِي شَرحه وَلَا الْمُنْذِرِيّ فِي تَخْرِيجه، وَأوردهُ الْمَاوَرْدِيّ فِي حاويه مَرْفُوعا؛ فَقَالَ: رَوَى مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن ابْن حزم، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لساعيه: «عد عَلَيْهِم صغارها وكبارها، وَلَا تَأْخُذ هرمة وَلَا ذَات عوار». كَذَا رَأَيْته فِيهِ.
قلت: وَقد سلف فِي الحَدِيث الثَّانِي من أَحَادِيث الْبَاب عَن عليّ أَنه قَالَ: «من اسْتَفَادَ مَالا فَلَا زَكَاة فِيهِ حَتَّى يحول عَلَيْهِ الْحول». وَهُوَ يُخَالف مَا ذكره الرَّافِعِيّ وَغَيره عَن عَلّي. قَالَ النَّوَوِيّ فِي شَرحه وَقَوله: «عد الصغار» هُوَ بِفَتْح الدَّال وَكسرهَا وَضمّهَا، وَكَذَا مَا أشبهه مِمَّا هُوَ مضعف مضموم الأول كشد وَشبهه، وَهُوَ كَمَا قَالَ.

.بَاب: أَدَاء الزَّكَاة وتعجيلها:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثاراً:

.أما الْأَحَادِيث:

فأحد عشر حَدِيثا:

.الحديث الأول:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْخُلَفَاء بعده كَانُوا يبعثون السعاة لأخذ الزَّكَاة».
هَذَا صَحِيح مَشْهُور عَنْهُم؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بعث عمر بن الْخطاب عَلَى الصَّدَقَة».
وَفِيهِمَا أَيْضا: عَن أبي حميد عبد الرَّحْمَن السَّاعِدِيّ قَالَ: «اسْتعْمل رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رجلا من الأزد عَلَى صدقَات بني سليم يُدعَى ابْن اللتبية فَلَمَّا جَاءَ حَاسبه».
وَفِيهِمَا أَيْضا: عَن عمر رضى الله عَنهُ أَنه اسْتعْمل ابْن السَّعْدِيّ، واسْمه عَمْرو بن وقدان الْمَالِكِي عَلَى الصَّدَقَة.
وَفِي سنَن أبي دَاوُد: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام بعث أَبَا مسعودٍ الْأنْصَارِيّ ساعيًا» وَفِيه: «إِن زيادًا أَو بعض الْأُمَرَاء أرسل عمرَان بن حُصَيْن ساعيًا».
وَرَوَاهُ الْحَاكِم، وَقَالَ: «إِن زيادًا- أَو ابْن زِيَاد- بعث عمرَان بن الْحصين ساعيًا، فجَاء وَلم يرجع مَعَه دَرَاهِم، فَقَالَ لَهُ: أَيْن المَال؟ قَالَ: وللمال أرسلتني؟ أخذناها كَمَا كُنَّا نأخذها عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، ووضعناها فِي الْموضع الَّذِي كُنَّا نضعها عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم». ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد.
وَفِي مُسْند أَحْمد من حَدِيث أبي عَمْرو بن حَفْص بن الْمُغيرَة لما قَالَ عمر: «إِنِّي أعْتَذر إِلَيْكُم من خَالِد بن الْوَلِيد، وَإِنِّي أَمرته أَن يحبس هَذَا المَال عَلَى ضعفة الْمُهَاجِرين، فَأعْطَاهُ ذَا الْبَأْس، وذَا الشّرف، وَذَا اللِّسَان، فنزعته وأمَّرت أَبَا عُبَيْدَة بن الْجراح. قَالَ: وَالله لقد نزعت عَاملا اسْتَعْملهُ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم...» الحَدِيث.
وَفِيه أَيْضا: من حَدِيث عَائِشَة «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ بعث أَبَا جهم بن حُذَيْفَة مُصدقا فلاجَّه رجل بِصَدَقَتِهِ فَضَربهُ أَبُو جهم فَشَجَّهُ». الحَدِيث.
وَفِيه أَيْضا: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام بعث عقبَة بن عَامر ساعيًا، قَالَ: فاستأذنته أَن آكل من الصَّدَقَة فَأذن لي».
فِي إِسْنَاده ابْن لَهِيعَة.
وَفِيه أَيْضا: من حَدِيث قُرَّة بن دعموص النميري قَالَ: «بعث رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الضَّحَّاك بن قيس ساعيًا».
وَفِي مُسْتَدْرك الْحَاكِم: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام بعث قيس بن سعد بن عبَادَة ساعيًا». ثمَّ قَالَ: إِنَّه عَلَى شَرط مُسلم. وَفِيه نظر؛ فَإِن رَاوِيه عَن قيس بن سعد هُوَ عَاصِم بن عمر، وَهُوَ لم يدْرك قيسا، نبه عَلَيْهِ الذَّهَبِيّ فِي مُخْتَصره لَهُ.
وَفِيه أَيْضا فِي كتاب الْفَضَائِل، فِي تَرْجَمَة عبَادَة بن الصَّامِت: «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ بَعثه عَلَى أهل الصَّدقَات». ثمَّ قَالَ: صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَتعقبه الذَّهَبِيّ فَقَالَ: إِنَّه مُنْقَطع؛ لِأَنَّهُ عَن ابْن طَاوس، عَن أَبِيه، عَنهُ.
قَالَ أَبُو نعيم فِي الْمعرفَة: «وَبعث النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الْوَلِيد بن عقبَة بن أبي معيط إِلَى بني المصطلق ساعيًا».
وَرَوَى الشَّافِعِي: «أَن أَبَا بكر وَعمر كَانَا يبعثان عَلَى الصَّدَقَة» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ.

.الحديث الثَّانِي:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ»
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته كَمَا سلف أول الْوضُوء.

.الحديث الثَّالِث:

يرْوَى أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَيْسَ فِي المَال حق سُوَى الزَّكَاة».
هَذَا الحَدِيث قَالَ فِيهِ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: أَصْحَابنَا يَرْوُونَهُ فِي تعاليقهم، لست أحفظ لَهُ إِسْنَادًا.
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: هَذَا حَدِيث ضَعِيف جدًّا لَا يعرف. قلت: قد أخرجه ابْن مَاجَه فِي سنَنه، من حَدِيث شريك، عَن أبي حَمْزَة- بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي الْمُعْجَمَة- عَن الشّعبِيّ، عَن فَاطِمَة بنت قيس أَنَّهَا سَمِعت تَعْنِي- النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: «لَيْسَ فِي المَال حق سُوَى الزَّكَاة».
وَكَذَا عزاهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام إِلَيْهِ، وَقَالَ: هَكَذَا هُوَ فِي النُّسْخَة الَّتِي فِيهَا روايتنا بِهَذَا اللَّفْظ، وَقد أدرجه تَحت تَرْجَمَة: مَا أُدي زَكَاته فَلَيْسَ بكنز، قَالَ: وَهُوَ دَلِيل عَلَى أَن لفظ الحَدِيث كَذَلِك.
قلت: وَكَذَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه سَوَاء، وَيَنْبَغِي أَن يعلم أَن هَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه قد رُوِيَ بِهِ حَدِيث فِي ضد هَذَا الْمَعْنى وَهَذَا لَفظه: «إِن فِي المَال حقًّا سُوَى الزَّكَاة» رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس، وَقَالَ: هَذَا حَدِيث لَيْسَ إِسْنَاده بِذَاكَ، وَأَبُو حَمْزَة مَيْمُون الْأَعْوَر يضعف. قَالَ: وَرَوَاهُ بَيَان وَإِسْمَاعِيل بن سَالم عَن الشّعبِيّ قَوْله، وَهَذَا أصح.
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: يرويهِ رجلَانِ ضعيفان.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ عقب مقَالَته السالفة: وَرُوِيَ فِي مَعْنَاهُ أَحَادِيث مِنْهَا حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس أَنَّهَا سَأَلت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو قَالَت: سُئل- عَن هَذِه الْآيَة: {فِي أَمْوَالهم حق مَعْلُوم} قَالَ: «إِن فِي المَال حقًّا سُوَى الزَّكَاة» وتلا هَذِه الْآيَة: {لَيْسَ الْبر أَن توَلّوا وُجُوهكُم} إِلَى قَوْله تَعَالَى: {وَآتَى الزَّكَاة}.
ثمَّ قَالَ: وَهَذَا حَدِيث يعرف بِأبي حَمْزَة مَيْمُون الْأَعْوَر كُوفِي، وَقد جرحه أَحْمد وَيَحْيَى فَمن بعدهمَا من حفاظ الحَدِيث.
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله عَن مُحَمَّد بن الصَّباح، عَن هشيم، عَن عذافر، عَن الْحسن، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا: «من أَدَّى زَكَاة مَاله فقد أدّى الْحق الَّذِي عَلَيْهِ، وَمن زَاد فَهُوَ أفضل».
وَمِنْهَا: حَدِيث أبي هُرَيْرَة، رَفعه: «إِذا أدّيت الزَّكَاة فقد قضيت مَا عَلَيْك، وَمن جمع مَالا حَرَامًا ثمَّ تصدق بِهِ، لم يكن لَهُ فِيهِ أجر، وَكَانَ إصره عَلَيْهِ».
وَرَوَى التِّرْمِذِيّ هَذَا، وَقَالَ: غَرِيب.
وَمِنْهَا: حَدِيث جَابر، رَفعه: «إِذا أدّيت زَكَاة مَالك فقد أذهبت عَنْك شَره». قَالَ: رُوِيَ مَرْفُوعا وموقوفًا، وَالْمَوْقُوف أصح، وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه مَرْفُوعا، ثمَّ قَالَ: إِنَّه صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. قَالَ: وَشَاهده حَدِيث أبي هُرَيْرَة. قَالَ: وَهُوَ شَاهد صَحِيح.

.الحديث الرَّابِع:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «فِي كل أَرْبَعِينَ من الْإِبِل السَّائِمَة بنت لبون، من أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا فَلهُ أجرهَا، وَمن منعهَا فإِنَّا آخِذُوهَا وَشطر مَاله، عَزمَة من عَزمَات رَبنَا، لَيْسَ لآل مُحَمَّد مِنْهَا شَيْء».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فِي سنَنَيْهِمَا، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه، من حَدِيث بهز- بالزاي- ابْن حَكِيم- بِفَتْح أَوله- بن مُعَاوِيَة بن حيدة- بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة ثمَّ مثناة تَحت سَاكِنة- عَن أَبِيه، عَن جده، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَاللَّفْظ الْمَذْكُور لَهُم، إِلَّا أَن أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ قَالُوا: «شطر إبِله» بدل «مَاله» وَإِلَّا أَحْمد وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فَقَالُوا: «لَا يحل لآل مُحَمَّد مِنْهَا شَيْء» بدل «لَيْسَ».
وَإسْنَاد هَذَا الحَدِيث صَحِيح إِلَى بهز، وَاخْتلف الْحفاظ فِي الِاحْتِجَاج بِحَدِيث بهز، فَقَالَ يَحْيَى بن معِين: هُوَ ثِقَة. وَسُئِلَ أَيْضا عَن أَبِيه عَن جده؟ فَقَالَ: إِسْنَاده صَحِيح إِذا كَانَ دونه ثِقَة.
قلت: وَهَذَا الحَدِيث رَوَاهُ عَنهُ أَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة، وَيَحْيَى بن سعيد، ومعتمر، وَعبد الْوَارِث. وَقَالَ عَلّي بن الْمَدِينِيّ: ثِقَة. وَكَذَلِكَ قَالَ النَّسَائِيّ، وَقَالَ أَبُو دَاوُد السجسْتانِي: هُوَ عِنْدِي حجَّة. وَقَالَ مرّة أُخْرَى: أَحَادِيثه صِحَاح وَحسن التِّرْمِذِيّ حَدِيثه «أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام حبس رجلا فِي تُهْمَة فخلى سَبيله» وَقَالَ الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد عَلَى مَا قدمنَا ذكره من تَصْحِيح هَذِه الصَّحِيفَة وَلم يخرجَاهُ. وَأَشَارَ الْحَاكِم بذلك إِلَى مقَالَته فِي أول كتاب الْإِيمَان: لَا أعلم خلافًا بَين أَكثر أَئِمَّة أهل النَّقْل فِي عَدَالَة بهز بن حَكِيم وَأَنه يجمع حَدِيثه. قَالَ: وَقد ذكره البُخَارِيّ فِي الْجَامِع الصَّحِيح.
قلت: وَإِن كَانَ قَالَ فِي حَقه: خَارِجَة مُخْتَلفُونَ فِيهِ. وَقَالَ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي الضُّعَفَاء: بهز كَانَ يُخطئ كثيرا. فَأَما أَحْمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فَإِنَّهُمَا يحتجان بِهِ ويرويان عَنهُ، وَتَركه جمَاعَة من أَصْحَابنَا وأئمتنا، وَلَوْلَا هَذَا الحَدِيث لَأَدْخَلْنَاهُ فِي الثِّقَات، وَهُوَ مِمَّن أستخير الله فِيهِ.
وَاعْترض الذَّهَبِيّ عَلَيْهِ فِي هَذِه الْعبارَة، فَقَالَ فِي الْمِيزَان: مَا تَركه عَالم قطّ، وَإِنَّمَا اخْتلفُوا فِي الِاحْتِجَاج بِهِ.
قلت: سَيَأْتِي أَي عَن بَعضهم عدم الِاحْتِجَاج بِهِ كَمَا قَالَ ابْن عدي: أَرْجُو أَنه لَا بَأْس بِهِ فِي رواياته، وَلم أر أحدا تخلف عَنهُ فِي الرِّوَايَة من الثِّقَات، وَلم أر لَهُ حَدِيثا مُنْكرا، وَأَرْجُو أَنه إِذا حدث عَنهُ ثِقَة فَلَا بَأْس بحَديثه، وَرَوَى عَنهُ ثِقَات النَّاس وَجَمَاعَة من الْأَئِمَّة.
وعدهم، وَقَالَ صَالح جزرة: بهز عَن أَبِيه عَن جده إِسْنَاد أَعْرَابِي. وَقَالَ أَحْمد بن بشير: أَتَيْته فَوَجَدته يلْعَب بالشطرنج. وَنقل الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان عَن الْحَاكِم أَنه قَالَ: هُوَ ثِقَة، إِنَّمَا أسقط من الصَّحِيح؛ لِأَن رِوَايَته عَن أَبِيه عَن جده شَاذَّة لَا متابع لَهُ عَلَيْهَا. قَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: هُوَ شيخ يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: صَالح وَلكنه لَيْسَ بالمشهور. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَيْسَ بِحجَّة. وَقَالَ ابْن حزم فِي محلاه: هَذَا خبر لَا يَصح؛ لِأَن بهز بن حَكِيم غير مَشْهُور بِالْعَدَالَةِ ووالده كَذَلِك. وَقَالَ فِي مَوضِع آخر مِنْهُ: بهز لَيْسَ بِالْقَوِيّ، وَحَكِيم ضَعِيف.
وَاعْترض ابْن الْقطَّان عَلَى أبي حَاتِم فِي قَوْله: «لَا يحْتَج بِهِ»، فَقَالَ: يَنْبَغِي أَن لَا يقبل مِنْهُ إِلَّا بِحجَّة، وبهز ثِقَة عِنْد من علمه. وَقد وَثَّقَهُ غير من ذكر؛ كَابْن الْجَارُود وَالنَّسَائِيّ، وَصحح التِّرْمِذِيّ رِوَايَته عَن أَبِيه عَن جده وَقَالَ أَبُو جَعْفَر السبتي: إِسْنَاد بهز عَن أَبِيه عَن جده صَحِيح. قَالَ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن: سَأَلت ابْن معِين: هَل رَوَى شُعْبَة عَن بهز؟ قَالَ: نعم رَوَى عَنهُ حَدِيث «أَتَرْعَوْنَ عَن ذكر الْفَاجِر» وَقد كَانَ شُعْبَة متوقفًا عَنهُ، فَلَمَّا رَوَى هَذَا الحَدِيث كتبه وأبرأه مِمَّا اتهمه بِهِ. قلت: فكم لَهُ عَن أَبِيه عَن جده؟ قَالَ: أَحَادِيث. قلت لأبي عبد الله أَحْمد بن حَنْبَل: مَا تَقول فِي بهز؟ قَالَ: سَأَلت غندرًا عَنهُ فَقَالَ: ثِقَة كَانَ شُعْبَة مَسّه، ثمَّ تبين مَعْنَاهُ فَكتب عَنهُ. وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة: كَانَ من خِيَار النَّاس. قَالَ ابْن الْقطَّان: وَلَيْسَ بضار لَهُ حِكَايَة الشطرنج الْمُتَقَدّمَة فَإِن استباحته مَسْأَلَة فقهية مشتبهة.
قلت: وَمن أغرب الْعبارَات فِيهِ قَول ابْن الطلاع فِي أَوَائِل أَحْكَامه: بهز بن حَكِيم مَجْهُول عِنْد بعض أهل الْعلم، وَأدْخلهُ البُخَارِيّ فِي كتاب الْوضُوء فَدلَّ عَلَى أَنه مَعْرُوف. وَلَا أعلم أحدا أطلق هَذِه الْعبارَة عَلَيْهِ، وَأما طعن ابْن حزم فِي وَالِده فَفِيهِ وَقْفَة، فقد قَالَ النَّسَائِيّ: لَيْسَ بِهِ بَأْس. وَقَالَ الْعجلِيّ: ثِقَة. وعلق عَنهُ البُخَارِيّ وَعَن وَالِده فِي الصَّحِيح، وَرَوَى لَهما فِي الْأَدَب خَارجه.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: قَالَ الشَّافِعِي: وَلَا يثبت أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ أَن تُؤْخَذ الصَّدَقَة وَشطر إبل الغال لصدقته، وَلَو ثَبت قُلْنَا بِهِ.
وَهَذَا تَصْرِيح من الإِمَام الشَّافِعِي بِأَن أهل الحَدِيث ضعفوا هَذَا الحَدِيث. قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا حَدِيث قد أخرجه أَبُو دَاوُد فِي سنَنه، فَأَما البُخَارِيّ وَمُسلم فَإِنَّهُمَا لم يخرجَاهُ جَريا عَلَى عَادَتهمَا فِي أَن الصَّحَابِيّ أَو التَّابِعِيّ إِذا لم يكن لَهُ إِلَّا راو وَاحِد لم يخرّجا حَدِيثه فِي الصَّحِيح، وَمُعَاوِيَة بن حيدة الْقشيرِي لم يثبت عِنْدهمَا رِوَايَة ثِقَة عَنهُ، غير ابْنه، فَلم يخرجَا حَدِيثه فِي الصَّحِيح.
وَتَبعهُ عَلَى ذَلِك الْمُنْذِرِيّ، فَقَالَ فِي حَوَاشِي السّنَن: بهز ثِقَة، وجده مُعَاوِيَة بن حيدة الْقشيرِي صحبته مَشْهُورَة، وَمُعَاوِيَة بن حيدة لم تثبت عِنْد البُخَارِيّ وَمُسلم رِوَايَة ثِقَة عَنهُ، غير ابْنه.
وَهَذَا الْكَلَام معترض عَلَيْهِ من وَجْهَيْن؛ أَحدهمَا: أَن دَعْوَى عَادَتهمَا فِي أَن الصحأبي أَو التَّابِعِيّ إِذا لم يكن لَهُ إِلَّا راو واحدٍ لم يخرجَا حَدِيثه فِي الصَّحِيح لم يثبت، وَقد أبطل ذَلِك الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ بن سعيد الْمصْرِيّ فِي كِتَابه الَّذِي يبين فِيهِ أَوْهَام الْمدْخل للْحَاكِم، وَالْبَيْهَقِيّ فِي هَذِه الْمقَالة مَعَ الْحَاكِم، وَذكر ابْن الصّلاح فِي كِتَابه عُلُوم الحَدِيث جمَاعَة خرج لَهُم فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَلَيْسَ لَهُم إِلَّا راو وَاحِد، لَكِن نقضته عَلَيْهِ فِي اختصاري لَهُ، فراجع ذَلِك مِنْهُ فَإِنَّهُ من الْمُهِمَّات.
وَمِمَّنْ أبطل مقَالَة الْحَاكِم ابْن الْجَوْزِيّ فِي مَوْضُوعَاته فَإِنَّهُ قَالَ: هَذِه مجازفة مِنْهُ وَظن، وَهُوَ ظن غلط. ثمَّ ذكر الْأَمْثِلَة الَّتِي نقلناها عَن ابْن الصّلاح والِاعْتِرَاض عَلَيْهِ.
الْوَجْه الثَّانِي: أَن قَوْله لم تثبت عِنْدهمَا رِوَايَة ثِقَة عَنهُ، غير ابْنه، لَيْسَ عَلَى جِهَة النَّقْل عَنْهُمَا بذلك، وَكَأَنَّهُ من بَاب الظَّن.
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي الإِمام: وَلَا يتعيَّن أَن يكون تَركهمَا لتخريجه هَذِه الْعلَّة الَّتِي ذكرهَا، فَيجوز أَن يكون ذَلِك لِأَنَّهُمَا لم يريَا بَهْزًا من شَرطهمَا.
تَنْبِيهَانِ: أَحدهمَا: بهز بالزاي كَمَا سلف، وبإسكان الْهَاء وَفتح الْبَاء.
وَقَوله: «مُؤْتَجِرًا» أَي طَالبا لِلْأجرِ. وَقَوله: «عَزمَة» هُوَ بِإِسْكَان الزَّاي، وَهُوَ مَرْفُوع؛ لِأَنَّهُ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف تَقْدِيره: ذَلِك عَزمَة. وَقَوله: «من عَزمَات» هُوَ بِفَتْح الزَّاي؛ أَي حقّ لابد مِنْهُ. وَفِي رِوَايَة للبيهقي: «عَزِيمَة» بِكَسْر الزَّاي، ثمَّ يَاء مثناة تَحت، وَالْمَشْهُور «عَزمَة». وَقَوله: «وَمن منعهَا» هَكَذَا هُوَ بِالْوَاو «وَمن» مَعْطُوف عَلَى أول الحَدِيث وَهُوَ «من أَعْطَاهَا».
الثَّانِي: هَذَا الحَدِيث جعله الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب، وَمِنْهُم الْبَيْهَقِيّ فِي كتبه مَنْسُوخا؛ ذكره فِي سنَنه وخلافياته ومَعْرفَته، وَأَنه كَانَ حِين كَانَت الْعقُوبَة بِالْمَالِ، قَالَ فِي سنَنه: وَقد كَانَ تضعف الغرامة عَلَى من سرق فِي ابْتِدَاء الْإِسْلَام، ثمَّ صَار مَنْسُوخا. وَاسْتدلَّ الشَّافِعِي عَلَى نسخه بِحَدِيث الْبَراء بن عَازِب فِيمَا أفسدت نَاقَته، فَلم ينْقل عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تِلْكَ الْقِصَّة أَنه أَضْعَف الغرامة، بل نقل فِيهَا حكمه بِالضَّمَانِ فَقَط، فَيحْتَمل أَن يكون هَذَا من ذَلِك.
وضعَّفَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب القَوْل بذلك فَقَالَ: أجَاب الشَّافِعِي وَالْأَصْحَاب، وَالْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة- قلت: والسّنَن والخلافيات- عَن حَدِيث بهز بِأَنَّهُ مَنْسُوخ. قَالَ: وهَذَا الْجَواب ضَعِيف من وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن مَا ادعوهُ من كَون الْعقُوبَة كَانَت بالأموال فِي أول الْإِسْلَام لَيْسَ بِثَابِت وَلَا مَعْرُوف.
وَالثَّانِي: أَن النّسخ إِنَّمَا يُصَار إِلَيْهِ إِذا علم التَّارِيخ، وَلَيْسَ هُنَا علم بذلك.
قَالَ: وَالْجَوَاب الصَّحِيح تَضْعِيف الحَدِيث كَمَا قَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو حَاتِم الرَّازِيّ- رَحمهَا الله تَعَالَى- هَذَا آخر كَلَامه. وَالظَّاهِر حسن الحَدِيث، فَلهَذَا احْتج بِهِ الْأَكْثَرُونَ كَمَا سلف، وَقد قَالَ هُوَ فِي كِتَابه تَهْذِيب الْأَسْمَاء: إِن يَحْيَى بن معِين وَالْجُمْهُور وثقوه وَاحْتَجُّوا بِهِ. وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح الْإِسْنَاد. كَمَا سلف، وَقَالَ الْمُنْذِرِيّ: حَدِيث حسن.
وَذكر هَذَا الحَدِيث الإِمَام أَحْمد فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا وَجهه. وَسُئِلَ عَن إِسْنَاده؟ فَقَالَ: هُوَ عِنْدِي صَالح الْإِسْنَاد.
وَنقل ابْن الْأَثِير فِي كِتَابه جَامع الْأُصُول وَكَذَلِكَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي كِتَابه جَامع المسانيد، عَن إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ الْحَافِظ؛ أَنه قَالَ: غلط الرَّاوِي فِي لفظ رِوَايَة هَذَا الحَدِيث، وَإِنَّمَا هُوَ «شطر مَاله» يَعْنِي أَنه يَجْعَل مَاله شطرين فَيتَخَيَّر عَلَيْهِ الْمُصدق، وَيَأْخُذ الصَّدَقَة من خير الشطرين؛ عُقُوبَة لمَنعه الزَّكَاة، فَأَما مَا لَا يلْزمه فَلَا.
قَالَ ابْن الْأَثِير: وَنقل عَن الشَّافِعِي أَنه رَجَعَ إِلَى هَذَا الحَدِيث فِي الْقَدِيم، وَخَالفهُ فِي الْجَدِيد وَجعله مَنْسُوخا؛ فَإِن ذَلِك كَانَ حَيْثُ كَانَت الْعقُوبَة بِالْمَالِ ثمَّ نسخ.
قَالَ: وَهَذَا القَوْل من الشَّافِعِي يرد مَا ذهب إِلَيْهِ الْحَرْبِيّ من تغليط الرَّاوِي، فَإِن الشَّافِعِي جعله حجَّة لقَوْله الْقَدِيم.